حثت شريعتنا السمحة على رعاية الإنسان منذ نعومة أظفاره وحتى مماته، فبينما هو يخرج من بطن أمه ضعيفًا خفيفًا تمضي به الأيام تلو الأيام حتى يبلغ أشده ويستكمل قواه ويتلذذ بلذة الشباب، وما هو إلا أن تتحول هذه القوة إلى ضعف ووهن وعجز بسبب التقدم في العمر، وحصول الهرم والشيخوخة الذي هو آخر منازل الحياة.
ويصف قطاع عريض من الخبراء هذه المرحلة بالـ عصيبة، كونها تختلف إختلافًا كبيرًا عن مراحل عمر الإنسان، خاصة مع ضعف أركانه الجسدية والعقلية، ما حدا بإسلامنا بإفراد الكثير من نصوصه بتوضيح حقوق كبار السن، وإحترامهم وتقديرهم ومعاونتهم في شتى شؤون حياتهم، وظهر ذلك جليًّا في حثه على معاملتهم بمعاملة خاصة في مجال العبادات، فأمر من يصلي بالناس أن يراعي حالهم، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء».
إلا أن الكثير يجد من الصعوبة بمكان إجادة التعامل مع كبار السن في فترات الصيام، تلك الفترات التي أجبرت المسن على الأخذ بالرخصة وعدم القدرة على الصيام، والسؤال: كيف تستطيع الأسرة معاملة المسن في هذه الفترات دون أن تسبب له جرحًا في مشاعره أو خجلا لتصرفاته؟
[] المسنون.. إمتداد للأجيال:
الدكتورة سعاد صالح، الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية بنات جامعة الأزهر، تقول في تصريحات خاصة لـ رسالة المرأة إن كبار السن لهم حقٌّ شرعيٌّ على المجتمع ككل، والأسرة خاصة، لأنهم إمتداد للأجيال الحالية وقد أدوا أدوارهم دون تقصير، وقد جعل الله هذا الحق بمرتبة الواجب، وأي تقصير فيه يعد فاعله آثمًا.
وردًّا على الرخصة التي منحها الشارع للمسن، شددت د. سعاد صالح على أنَّ الله فرض الصيام على القادر المستطيع، وذلك لمشقة الصيام وإحتياجه إلى جسد قوىٍّ سليم معافى، وجعل الله للمرضى والمسنين رخصةً شرعية للإفطار، مخاطبةً الأسرة -التي يعيش فيها مسنٌ أو مسنة- بأنه لا يستطيع أحد إجبارهم عليه، لأن سلطة الإجبار سلطة إلهية للخالق وحده، وقد عفاهم، وجعل فدية ذلك إطعام مساكين أو غير ذلك، فلا يستطيع أحد إجبار من رخَّص له الشرع بالإفطار، ولاسيما الكبير الطاعن في السن.
وفيما يتعلق بالجانب النفسي للمسن، لفتت د. سعاد صالح إلى أنه على الأسرة أن تحذر من إشعار المسن أو المسنة بأي إنتقاص أو إحراج ولو على سبيل المزاج، مشددة بقولها: فقد صام كبار السن كثيرًا وعندما أصابهم الكبر الذي لا يخلو من المرض أو الوهن، رخَّص لهم الله الإفطار، لأن الأصل في العبادة الإستطاعة وقد سقط عنهم الركن، ولا يمكن لأحد إجبارهم على أدائه أو التلويح لهم بذلك.
¤ المعاملة توثر فيهم صحيًّا ونفسيًّا
أّمَّا الدكتورة إبتسام رفعت، أستاذ الاجتماع وخدمة الفرد بأكاديمية الدلتا للعلوم، فقد لفتت في تصريحات لموقع رسالة المرأة إلى أنَّ المسنين يقسمون حسب العمر إلى ثلاث فئات، من 60 إلى 70، ومن 70 إلى 75، ومن 75 إلى 80 فما أكثر، وأوضحت أنَّ الفئة الأولى قد تكون حالتها المزاجية والصحية مستقرة لقلة الأمراض والوهن نسبيًّا عن الفئات الأخرى، وقد يستطيع المسن خلالها القيام بالصوم، في حين تكون الفئة الثانية هي أكثر تعرضًا للمرض وأعراض الشيخوخة والتي يمتنع الكثير ممن في هذه الفئة عن أداء فريضة الصوم لظروفهم الصحية، والتي تؤثر بالطبع على حالتهم المزاجية.
وفي سياق الحديث عن الفئة الثالثة، قالت د. إبتسام رفعت إنَّ الفئة الثالثة -التي تعانى من الكثير من الأمراض وضعف البدن، ولا تستطيع أداء الفريضة- لابد من معاملتها معاملة خاصة في الرعاية الصحية وإجابة مطالبها وحاجاتها، وشددت الخبيرة الإجتماعية على أنَّ أي عنف أو تقصير أو تجاهل أو إجبار يجعل حالة المسن النفسية والصحية سيئة دائما، خاصة من الأقارب، قد يُشعر المسن بنكران الجميل، مما يجعله مضطربًا نفسيًّا وصحيًّا ومختل التوازن ومتقلب المزاج.
¤ المسنون يحتاجون إلى ضمائر:
ومن جهته، إتفق الخبير الإجتماعي والمتخصص في الطب النفسي الدكتور إيهاب الخراط مع الدكتورة سعاد صالح، الدكتورة إبتسام ورفعت على أهمية الجانب النفسي في معاملة كبار السن، وأكدَّ في تصريحات لـ رسالة المرأة على أنَّ المعاملة مع المسن في حاجة إلى ضمير من جانب الأشخاص الملاصقين له، بالإضافة إلى طبيبه المعالج.
وأوضح الخبير النفسي أنَّ لكبار السن ظروفهم المرضية في مرحلة الوهن، برغم عدم إحتياجهم إلى كميات كبيرة من الطعام، إلا أنهم ولظروف السُكِّر مثلا في حاجة إلى شرب كميات من المياه بشكل مستمر، وتابع: كما أن أمراض الضغط والقلب لا يستطيع معها المسن الصيامَ، وذلك لشعور الكبير بالهبوط وإختلال التوازن وسرعة الإرتباك، الأمر الذي يزيد من وتيرته الصيامُ، وكذلك سرعة الغضب، وفقدان التوجه، والإرتباك.
وحذَّر أستاذ الطب النفسي من أنَّ إجبار الكبير على الصيام أو إحراجه قد يؤدي إلى الإنسحاب والإنزواء وسرعة النسيان وقلة التركيز في السمع وتغير في سرعة دقات القلب وإرتفاع وإنخفاض الضغط.
وحثَّ الدكتور إيهاب الخراط الأسر التي يعيش فيها مسن أو مسنة على تلبية إحتياجاتهم، والتحلي بالصبر عن معاملتهم، وعدم إشعارهم بظروفهم الخاصة التي تلازم من في سنهم.
الكاتب: رضا القاضي.
المصدر: موقع رسالة المرأة.